الكنيسة المريمية في دمشق: رمز التراث المسيحي في قلب الشام العتيقة

الكنيسة المريمية في دمشق: رمز التراث المسيحي في قلب الشام العتيقة
15

تُعد الكنيسة المريمية في دمشق من أقدم الكنائس في سوريا وأكثرها حضورًا في الذاكرة المسيحية الشرقية، إذ تجسّد ملامح التاريخ الروحي والمعماري العريق للمنطقة.

تقع هذه الكنيسة في قلب دمشق القديمة، داخل الحي المسيحي العريق، وعلى مقربة من شارع باب شرقي، حيث الأزقة الضيقة تعج بالحياة والأسواق العتيقة والمباني الأثرية التي تحمل عبق آلاف السنين.

تشير بعض الدراسات والروايات المحلية إلى أن أصول الكنيسة المريمية تعود إلى القرون الأولى للمسيحية، ويُعتقد أن بناءها الأساسي تم في القرن الرابع الميلادي.

أما توسعتها وإعادة ترميمها فقد جرت في القرن السادس الميلادي، في عهد الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس، الذي دعم ترميم الكنائس الشرقية ضمن سياسته الدينية المعروفة. ومنذ تلك الفترة، أصبحت الكنيسة المريمية مركزًا مهمًا للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، ومقرًا لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق.

 

العمارة الفريدة للكنيسة المريمية

من يدخل الكنيسة اليوم يلحظ بوضوح تمازج الطراز المعماري البيزنطي مع الزخرفة الدمشقية الشرقية. حيث تظهر هذه السمات في الأقبية والأعمدة الحجرية، وفي الأيقونات المرسومة يدويًا، وفي الأبواب الخشبية المزخرفة.

تتكوّن الكنيسة من صحن رئيسي تعلوه قباب متقاطعة، وعدد من المصليات الجانبية، وغرف صغيرة استُخدمت للعبادة والعزلة الروحية.

من أبرز ملامح الكنيسة "الباب المريمي"، وهو باب خشبي أثري مزخرف يدويًا، يعود إلى قرون سابقة. كما تحتفظ الكنيسة بجرن معمودية أثري، يُعتقد أن استخدامه يعود إلى العصور البيزنطية، دون تأكيد تاريخي قاطع.

أما داخل الكنيسة، فتزين الجدران لوحات وأيقونات تمثل مشاهد من حياة السيدة مريم والسيد المسيح والقديسين، كثير منها أُنجز خلال القرنين الماضيين.

تسمح القباب العالية في الكنيسة بمرور ضوء الشمس في خطوط مائلة تضفي جوًا قدسيًا، في حين تعكس النوافذ الزجاجية الملونة مزيجًا من الإبداع الفني والإرث الديني، رغم أن معظمها يعود لترميمات متأخرة نسبياً.

البُعد الديني والثقافي للكنيسة

لا تقتصر أهمية الكنيسة المريمية في دمشق على بعدها الديني فقط، رغم أنه من الأركان الأساسية في هويتها، إذ تعتبر مركزًا روحيًا هامًا للطائفة الأرثوذكسية الشرقية، ومقرًا لبطريركية أنطاكية، التي تُعد من أقدم البطريركيات المسيحية في العالم. بل تتعدى هذه الأهمية لتشمل البعد الثقافي والاجتماعي أيضًا، حيث تُعتبر الكنيسة بمثابة منبر حي لتوثيق العلاقة بين الدين والثقافة، وبين التاريخ والواقع المعاصر.

فالكنيسة ليست مجرد مكان للعبادة، بل أيضًا مسرحًا لاحتضان الفعاليات الثقافية والدينية، مثل الحفلات الموسيقية الدينية التي تعزف فيها التراتيل البيزنطية، والمعارض التي تُعرض فيها مخطوطات وإنجيلات قديمة مكتوبة باليونانية والسريانية والعربية، إلى جانب استضافة مؤتمرات حوار الأديان التي تسعى لتقوية أواصر التعايش بين مختلف الطوائف الدينية في سوريا.

محطات بارزة في تاريخ الكنيسة

مرّت الكنيسة المريمية عبر العصور بمحطات تاريخية فارقة، فإلى جانب نشأتها في العهد الروماني، فقد شهدت نهضة حقيقية في العهد البيزنطي، حين أصبحت محجًا لآلاف الحجاج المسيحيين.

وفي العهد الإسلامي، تم احترام حرمة الكنيسة، وتواصل وجودها بفضل السياسات التعايشية التي انتهجتها الدولة الإسلامية مع أهل الذمة. بل إن الكنيسة بقيت تعمل بحرية نسبية حتى في فترات الأزمات الكبرى، سواء في العهد العثماني أو خلال فترات الاحتلال الأجنبي في القرن العشرين.

في العصر الحديث، كانت الكنيسة ولا تزال رمزًا وطنيًا، وقد نالت اهتمامًا كبيرًا من القيادة الدينية والسياسية على حد سواء، خصوصًا خلال فترات الحرب والأزمات.

وقد زارها عدد من كبار الشخصيات الدينية العالمية، من أبرزهم البابا يوحنا بولس الثاني عام 2001، في زيارة تاريخية لسوريا، أقام خلالها صلاة خاصة في الكنيسة ودعا للسلام بين الشعوب والأديان.

الكنيسة المريمية خلال الحرب السورية

رغم ما تعرضت له دمشق من تهديدات خلال سنوات الحرب، بقيت الكنيسة المريمية في دمشق صامدة، ولم تُغلق أبوابها في وجه المصلين والزوار، بل شكلت ملاذًا للطمأنينة في خضم العاصفة. ومع أنها تعرضت لأضرار بسيطة نتيجة التفجيرات في بعض الأحيان، إلا أن عمليات الترميم التي خضعت لها بسرعة أعادتها إلى رونقها التاريخي، مع الحفاظ على الطابع المعماري الأصيل.

وقد تحولت الكنيسة في تلك الفترة إلى رمز روحي للصمود، حيث استمرت في إقامة الصلوات اليومية، واستقبال الوفود الإنسانية، وتنظيم مبادرات لتقديم المساعدة للمحتاجين من أبناء جميع الطوائف.

تجربة الزائر داخل الكنيسة

تُعد زيارة الكنيسة المريمية في دمشق تجربة روحانية عميقة لا يمكن اختزالها بكلمات.

عند دخول الزائر من بوابتها العتيقة، يُستقبل بصوت التراتيل البيزنطية الخافتة، ورائحة البخور التي تعبق في المكان، فيجد نفسه في عالم مختلف تمامًا، يفصله عن صخب الحياة اليومية، ويغمره بجو من السكينة والخشوع.

يتنقل الزائر بين أروقة الكنيسة، يتأمل الأيقونات المذهبة التي تسرد قصص القديسين والملاحم الدينية، ويقف أمام المذبح الحجري ليتأمل تفاصيله الدقيقة.

كما يمكن للزائر أن يجلس للحظات في المقاعد الخشبية القديمة، ويشاهد ضوء الشمس يخترق النوافذ الملونة ليشكل مشهدًا بصريًا ساحرًا يعكس قدسية المكان وروحانيته.

ومن الأمور التي تثري هذه التجربة أن بعض الرهبان والكهنة داخل الكنيسة يرحبون بالزوار ويوفرون شرحًا تاريخيًا مفصلًا عن كل ركن من أركان الكنيسة، مما يربط الزائر بالمكان ليس فقط بصريًا وإنما وجدانيًا وثقافيًا أيضًا.

الكنيسة في محيطها الدمشقي

لا يمكن الحديث عن الكنيسة المريمية في دمشق دون الإشارة إلى محيطها المهم، إذ تقع على مسافة قصيرة من معالم دمشق القديمة الأخرى، مثل الجامع الأموي الكبير، وسوق الحميدية، وقصر العظم، وسوق البزورية، وجميعها محطات أساسية في أي جولة سياحية في المدينة.

يعكس هذا القرب الجغرافي الطابع التعددي الثقافي والديني الذي ميّز دمشق على مر العصور.

إن التعايش بين الكنيسة المريمية والجامع الأموي القريب منها ليس فقط جغرافيًا، بل أيضًا رمزيًا، حيث شكّلا معًا رمزين روحيين يعكسان فسيفساء التعايش السوري.

ويجدر بالزائر أن يستثمر وجوده في المنطقة لزيارة تلك المعالم أيضًا، واستكشاف الروابط المعمارية والثقافية التي تجمعها رغم اختلاف المرجعيات الدينية.

أفضل أوقات الزيارة والمناسبات الخاصة

يفضل زيارة الكنيسة في فصلي الربيع والخريف، حيث يكون الطقس معتدلًا ومناسبًا للتجول في أزقة دمشق القديمة. كما أن الاحتفالات المسيحية الكبرى، مثل عيد الميلاد المجيد وعيد القيامة، تُعد مناسبات تشهد فيها الكنيسة أجواءً مهيبة، من حيث الطقوس الدينية والموسيقى البيزنطية والشموع المضيئة، ما يضفي على الزيارة طابعًا روحيًا مميزًا يصعب نسيانه.

احجز رحلتك مع سفرك السياحية

لتجربة سياحية استثنائية تمزج بين الروحانية والتاريخ والثقافة، فإن الكنيسة المريمية في دمشق يجب أن تكون ضمن أولى وجهاتك.

احجز رحلتك الآن مع سفرك السياحية، واكتشف أسرار الكنيسة المريمية، وتجوّل في أروقة دمشق القديمة، لتعيش لحظات لا تنسى بين عبق التاريخ وسحر الشرق.

مع شركة سفرك السياحية المتخصصة في تنظيم الجولات السياحية في سوريا، ستحصل على رحلة مميزة مصممة خصيصًا لك، تشمل زيارات لأهم المعالم التاريخية والدينية في دمشق وما حولها.

نقدم لك خدمات متكاملة تشمل:

  • مرشدين سياحيين خبراء في التاريخ الديني والثقافي لسوريا.
  • جولات مريحة بسيارات مكيفة.
  • حجوزات في فنادق دمشق التقليدية أو الفنادق الحديثة حسب تفضيلك.
  • برامج مرنة تناسب الأفراد والعائلات والمجموعات.

وغير ذلك الكثير.

 

تحرير: سفرك السياحية©

15