نواعير حماة: عندما يتحول الماء إلى سيمفونية هندسية خالدة

نواعير حماة: عندما يتحول الماء إلى سيمفونية هندسية خالدة
71

في قلب سوريا النابض بالتاريخ، وعلى ضفاف نهر العاصي، تنتصب نواعير حماة شامخة كأنها تعزف لحنًا أبديًا للماء والحضارة، هذه العجلات الخشبية العملاقة ليست مجرد أدوات لنقل المياه، بل هي تجسيد لهندسة ذكية، وجمال بصري، وتاريخ متجذر في وجدان المدينة وسكانها.

في هذا المقال، نغوص في عمق هذه الظاهرة الفريدة، ونسرد قصة النواعير من زواياها التاريخية والهندسية والبيئية، مع دعوة مفتوحة لاكتشافها برفقة شركتنا "سفرك السياحية" المتخصصة بالسياحة في سوريا.

ما المقصود بنواعير حماة؟

تُعرف نواعير حماة بأنها عجلات خشبية ضخمة مائية، تُركب عموديًا على نهر العاصي، وتُثبَّت على قواعد حجرية قوية، يبلغ قطر كل عجلة منها 21 متراً و70 سنتيمتراً، وتحتوي على صناديق صغيرة يصل عددها إلى 120 صندوقاً، ويقدر وزنها نحو500 كغ، تُملأ تلقائيًا بمياه النهر أثناء دوران الناعورة، وتدور دورة كاملة كل عشرين ثانية، ثم تفرغ محتواها في قنوات حجرية مرتفعة، تُستخدم لري البساتين وسقاية البيوت والمساجد.

تعتمد النواعير في دورانها على الطاقة الحركية الطبيعية الناتجة عن جريان المياه، دون حاجة لأي وقود أو محرك ميكانيكي، مما يجعلها نموذجًا مبكرًا للمشاريع البيئية المستدامة.

ما يميز نواعير حماة عن غيرها من وسائل الري القديمة هو حجمها الهائل ودقتها الهندسية، فضلًا عن تكاملها المعماري مع النسيج العمراني للمدينة، حيث بُنيت النواعير في نقاط حيوية تخدم التجمعات السكانية والزراعية، وغدت جزءًا لا يتجزأ من المنظر العام لحماة، تُشاهد من بعيد كأنها تيجان مائية تتوَّج نهر العاصي.

النشأة التاريخية للنواعير وتطورها عبر العصور

تحمل نواعير حماة مكانة تاريخية مميزة جعلت المدينة تُلقب بـ"مدينة النواعير"، إلى جانب اسمها الآخر "مدينة أبي الفداء". ورغم عدم توفر تاريخ دقيق لبنائها، تشير الشواهد الأثرية إلى وجودها منذ القرن الخامس الميلادي، وربما حتى العهد الآرامي، وأشهر هذه النواعير هي "المحمدية"، التي أعيد بناؤها عام 763هـ (1361م) في العهد المملوكي، ويبلغ قطرها 21 مترًا.

وقد بلغ عدد النواعير في حماة ذروته خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، حين تجاوزت ثلاثين ناعورة، مما منح المدينة لقب "عاصمة النواعير"، وجعل منها وجهة لكل من يرغب بدراسة أنظمة الري التقليدية والهندسة المائية.

الهندسة الفريدة خلف تصميم نواعير حماة

رغم بساطتها الظاهرة فإن نواعير حماة تمثل قمة الإبداع الهندسي، فهي تعتمد على توازن دقيق بين المواد الطبيعية المتوفرة محليًا وبين الحاجات العملية اليومية لسكان المدينة، حيث تصنع النواعير من أخشاب الجوز والصفصاف المعروفة بمرونتها ومقاومتها للماء، وتثبت على محاور خشبية ضخمة تدور تلقائيًا مع حركة التيار المائي.

عند دوران الناعورة، تملأ صناديقها الخشبية الصغيرة بالماء وتدفعه نحو الأعلى، حيث يُفرغ في قناة حجرية تُعرف بـ"الساقة"، هذه القناة تمتد أحيانًا لعدة مئات من الأمتار، لتوزع المياه على البيوت والحقول والمساجد، ما يجعل النظام بأكمله نموذجًا مبكرًا لما نعرفه اليوم بشبكات الري والصرف الصحي.

هذا النظام لم يكن مجرد أداة لتأمين الماء، بل كان جزءًا من مفهوم شامل للبنية التحتية يعتمد على الانسجام مع البيئة، وهو ما يفسر بقاء النواعير فعالة لعقود بل لقرون، دون أي مصدر طاقة خارجي.

نواعير بارزة في قلب المدينة

من أبرز المعالم المائية في المدينة نجد الناعورة المحمدية التي تتربع بجانب الجامع الكبير، وهي من أكبر النواعير في المدينة ويبلغ قطرها أكثر من 21 مترًا، تتميز هذه الناعورة بجمال تصميمها وقربها من المعالم التاريخية الأخرى، مما يجعلها وجهة مفضلة للسياح والمصورين.

كما نجد الناعورة المأمورية، التي تعد من أقدم النواعير وأقواها بناءً، والتي كانت مخصصة لتزويد بعض المباني الرسمية بالمياه. أما الناعورة الجسرية فهي تحفة بصرية بحق، تقع قرب الجسر الحديدي، وتتميز بدورانها المتوازن وصوتها المتناغم مع التيار. ونعثر أيضًا على ناعورة البشريات، التي تتوسط حيًا شعبيًا قديمًا، وتحيط بها محال وأسواق تاريخية تعزز من تجربة الزيارة.

الرمزية الثقافية والحضارية للنواعير

تجاوزت نواعير حماة دورها الوظيفي لتصبح رمزًا ثقافيًا يحمل في طياته معاني الانتماء والهوية، فهي حاضرة في القصائد الشعبية والأغاني الفلكلورية، وقد استلهم منها الفنانون التشكيليون السوريون أعمالًا خالدة، وقد أصبحت صور النواعير تُزين بطاقات البريد القديمة، وتستخدم في الحملات الدعائية للمدينة، كما طُبعت على شعارات المهرجانات والفعاليات الثقافية، لتكون شاهدًا على عبقرية المكان وروح الإنسان السوري.

تجربة سياحية فريدة حول النواعير

زيارة نواعير حماة ليست مجرد مشاهدة أثر تاريخي، بل هي تجربة حسية ووجدانية كاملة، فعندما يتجول الزائر على ضفاف نهر العاصي، ويستمع إلى صوت دوران الخشب المبلل بالماء، يشعر بأنه عاد بالزمن إلى حقبة ماضية، حيث كانت المياه تسير في قنوات منسقة، وتُوزع على البيوت والأحياء بانتظام، دون الحاجة لمضخات أو كهرباء.

تقدم المقاهي والمطاعم المحيطة بالنواعير للزائرين فرصة لتناول الطعام على أنغام دوران العجلات، في أجواء تُذكر بزمن العراقة، أما الأسواق المجاورة فهي تعج بالحياة، وتعرض الحرف التقليدية والمنتجات المحلية، لتكمل بذلك مشهدًا سياحيًا متكاملًا يمنح الزائر شعورًا بالانغماس في بيئة أصيلة.

نموذج للتنمية المستدامة

تمثل نواعير حماة نموذجًا نادرًا في مجال التنمية البيئية المستدامة، فهي لا تستهلك أي موارد غير متجددة، وتعمل بدون وقود أو كهرباء، وتُدار بالكامل بقوة الطبيعة، كما أنها لا تُحدث أي تلوث مائي أو صوتي، بل تضفي على البيئة صوتًا موسيقيًا يعكس تناغم الإنسان مع عناصر الأرض.

هذا النموذج، الذي يعود إلى قرون مضت، يمكن أن يكون مصدر إلهام للمشاريع البيئية الحديثة، التي تبحث عن وسائل فعالة لنقل المياه أو تشغيل الآلات دون الإضرار بالكوكب.

نواعير حماة في العصر الحديث

رغم التحديات التي مرت بها المدينة من نزاعات وأضرار مادية لا تزال نواعير حماة صامدة، وقد خضعت في السنوات الأخيرة لعمليات ترميم بدعم من منظمات ثقافية وسياحية، وتُبذل اليوم جهود حثيثة لتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، لما تمثله من إرث إنساني فريد يدمج بين الفن والهندسة والبيئة.

وقد بدأت الجهات السياحية في سوريا بتسليط الضوء على هذه المعالم، من خلال الحملات الترويجية والمهرجانات والمبادرات التعليمية، لضمان نقل هذه الثقافة إلى الأجيال القادمة.

اختبر سحر النواعير مع سفرك السياحية

إذا كنت تحلم برحلة تمزج بين الجمال الطبيعي والعبق التاريخي فإن زيارة نواعير حماة هي خيارك الأمثل، نحن في "سفرك السياحية" نقدم لك تجربة متكاملة تبدأ من لحظة وصولك إلى سوريا وحتى نهاية رحلتك، مع برامج سياحية مصممة خصوصًا لاستكشاف نواعير حماة وأهم المعالم المجاورة لها.

سواء كنت ترغب في جولة ثقافية بصحبة دليل محلي، أو تود الجلوس على ضفاف العاصي لالتقاط صور بانورامية ساحرة، أو تحب تذوق الأكلات الحموية الشهية على وقع صوت الماء والخشب، فإننا في سفرك السياحية نضمن لك رحلة لا تُنسى.

احجز رحلتك معنا اليوم، واكتشف روعة نواعير حماة كما لم ترها من قبل. معنا، لن تكون مجرد سائح، بل شاهد حي على قصة مدينة تحرّكها المياه، وتغنيها النواعير.

71